الفتى الحالم واقعي - الفصل 1 - بعد أن يخفت بريق النجوم
هل سبق لي، وأنا لا أزال طالبًا في المدرسة الثانوية، أن راودني حلم في هذه الحياة؟
في ذلك الحين، لعلني كنتُ أكثر من تشوّق وتطلّع إلى حياة المدرسة الثانوية من أيّ أحدٍ آخر. لقد نمت تلك الأمنية وتطوّرت شيئًا فشيئًا، حتى نسيت في لحظةٍ ما أن أنظر إلى الواقع. وكان ذلك أمرًا مخيفًا للغاية، إذ عندما حدث ذلك، لم أعد آبه بنظرة الآخرين إليّ، ومن حيث لا أدري، صنعتُ لنفسي ماضيًا مظلمًا مليئًا بالخزي والعار
والأمر الأكثر رعبًا من هذا، هو أنني أستطيع استعادة وعيي في طرفة عين. وإن تحدثتُ عن حياتي بعد ذلك، فإنني فقط…
♦
تحت أشعة الشمس الصباحية، كان كثير من طلاب المدرسة الثانوية يمشون بهدوء على هذا الطريق المصطف بالأشجار. وفي هذه الأثناء، برز طالبان من بينهم.
“أَيْكا، انتظري!”
“كلا! ابتعد عني، أنت للغاية!”
كانت فتاة ذات شعر بني مائل إلى الحمرة تمشي بخطى سريعة، بينما كان فتى ذو شعر مصبوغ بالبني يلاحقها. ومن منظور الآخرين، بدَوا كأنهما حبيبان يتشاجران، إلا أن العلاقة بينهما لم تكن كذلك في الحقيقة.
كان شعر الفتاة المتطاير في الهواء يكتسي حُمرة في ضوء الشمس. وكانت تشق طريقها بين التلاميذ الآخرين بوجهٍ عابس، ومع ذلك، كانت تُعرف بجمالها. فرغم مظهرها الرقيق، إلا أنها كانت فتاة ذات إرادة قوية. وكلما حاول الفتى ذو الشعر البني الإمساك بيدها، كانت تنتزعها بكل ما أوتيت من قوة.
أما الفتى، فلم يتوقف عن المحاولة. كان اسمه “ساجو واتارو”، فتى يسعى جاهدًا ليبدو أنيقًا، وكغيره من الفتيان… كان يحب الفتيات الجميلات.
تلك الفتاة الجميلة… “ناتسكاوا أَيْكا”، لقد أحبّها ذلك الفتى منذ أن كانا في المدرسة الإعدادية. ولهذا، ما إن أتيحت له الفرصة، حتى اعترف لها بمشاعره، لتُحطَّم آماله في الحال. أجل، لقد رفضته، لكنه لم يستسلم بسهولة. بل استمرّ في ملاحقتها يومًا بعد يوم، وواصل محاولاته الجريئة للتقرّب منها.
كانت ناتسكاوا أَيْكا الفتاة المثالية. ولهذا تم قبولها في مدرسة ثانوية خاصّة مرموقة، أما واتارو، الذي عَلِم بالأمر، فقد اجتهد بجدّ ليلتحق بالمدرسة ذاتها، تقرّبًا منها، ونجح بطريقة ما في النهاية. يا له من أمرٍ مدهش، انها قوة الحب !
“هاهاها، لقد فعلاها من جديد.”
“أجل، أليس من الأجدر بهما أن يتواعدا فحسب؟”
من وجهة نظر الفتيات الأخريات، كان هذا المنظر مؤذيًا للمشاهدة فحسب.
ولو كانت أَيْكا محبوبة من الجميع، لكانت موضع غيرة الفتيات، غير أنّ هذين الاثنين قد لفتا الأنظار على هذا النحو منذ أن دخلا المدرسة، حتى غدوا يبدوان و كأنهما حبيبان حقيقيان في أعين الآخرين. بل حتى أن باقي الفتيان اعترفوا بأن “ساجو واتارو” هو فتى “ناتسكاوا أَيْكا”، ومن هذا المنطلق ، لم يحاول أحدهم التدخّل.
وكما هو الحال دومًا، واصل “واتارو” ملاحقته لـ”أَيْكا” دون كلل.
“أخبريني، متى أردتِ أن تصبحي حبيبتي؟”
“وهل تظنّ حقًا أنّني أرغب أن أكون حبيبتك؟ أيّها الأحمق! كُفَّ عن هذا فورًا!”
“ماذا!؟”
“ولِمَ أنتَ مندهشٌ الآن؟”
نعم… ولمن شهد هذا المشهد، هل تعرفون القول المأثور: “حين تنطفأ نار الحبّ التي اشتعلت لقرون”؟ أي أنّك حين ترى وتسمع أسوأ ما في محبوبك ، تنطفئ مشاعرك دفعة واحدة.
لكن الأمر هنا كان مختلفًا بعض الشيء، فالفتى الذي فُتن بالفتاة المثالية، غرق في أحلامه وانساق وراء عالمٍ خيالي، حتى نسي أن يُبصر الواقع.
فماذا لو عاد إليه وعيه فجأة؟ .
“مهلًا! ألا يمكنكِ أن تُبطئي مشيتكِ قليلاً!؟”
فجأة، سُمع صوت انفجار كصوت البارود. إذ مرّت أمام “واتارو” كرة قدم ارتطمت بالحائط بسرعة هائلة فأحدثت صوتًا مدوّيًا، ثم ارتدّت عائدة إلى نادي كرة القدم. وفي تلك اللحظة، عاد إلى “واتارو” إدراكه للواقع الذي كان قد تخلّى عنه منذ سنين.
لم يُصَب “واتارو” بأي أذًى، غير أنّه، وفي مثل هذه اللحظات، كان يعود إلى رشده.
“هـ-هيه، أأنت بخير؟”
اقتربت “أَيْكا” من “واتارو” بدهشة، وأخذت تنظر إليه من رأسه إلى أخمص قدميه. وبعد أن تأكّدت من سلامته، تنفّست الصعداء، ثم قالت بتذمّر:
“أنظر، مهما حاولت أن تلفت انتباهي، فلن أبالغ في ردّ فعلي.”
“نـ-نعم…”
“يا إلهي… لقد أقلقتني للتو! وعلى أيّ حال، كُفّ عن ملاحقتي من الآن فصاعدًا!”
“…”
غادرت “أَيْكا” بعد أن رمقته بنظرة حادّة. أما “واتارو”، فبقي واقفًا مذهولًا، يحدّق إليها وهي تبتعد.
وبعد أن ابتعدت مسافةً خرجت بها عن مدى صوته، فتح “واتارو” فمه أخيرًا:
“نـ-نعم… أنا آسف…”
لكن في اللحظة التي نطق فيها بذلك، كان ظهر “أَيْكا” قد اختفى عن ناظريه. ومع ذلك، لم يبدأ بالسير، بل بقي واقفًا متسمّرًا في مكانه، شاردًا.
التعليقات