رحلة القمر لإيرينا مصّاصة الدماء - الفصل 0 - المجلد 1 - المقدمة

LazySano 2025-04-07
62

أعيُن قرمُزية (oчи алый)

“سينوس إيريدوم…”

في ليلة متجمّدة يغمرها الضباب الدخاني، كانت شابة تنظر إلى القمر الفضيّ الكامل من شرفة القلعة القديمة المغطاة بالثلج. كان في همساتها مسحةٌ من الوحدة.

“لاكوس سومنيريوم…”

لطّخ الغبار والأوساخ ثوبها الطويل القرمزيّ الداكن. كانت أطرافها هشّة، وبشرتها ناصعة كالخزف. أنيابها تتصادم مع شفتيها الجميلتين.

“بالوس سومنِي…”

كانت الفتاة تُنشد كلمات الأغنية القديمة بعناية شديدة، واحدة تلو الأخرى.

“أوشيانوس بروتشيلاروم…”

هبت الريح لترفع خصلات شعرها الأسود، كاشفةً عن أذنيها المدببتين.

“مارِه فابوروم…”

فكّت الفتاة الجوهرة الصغيرة المعلّقة في عنقها، ورفعتها نحو القمر. انبعث ضوءٌ أزرق نقيّ من البلّورة الشفافة. وظهر شفقٌ أخضر في السماء، كما لو كان متدلّيًا من القمر.

“رغبتي…”

تحوّل بريق عيني الفتاة القرمزيّتين إلى قرمزيّ قاتم. أخذ النسيم المسائيّ همساتها، واختفت فوق السهول المحترقة التي كانت يومًا ما غابةً وارفة.

شبكت يديها، وحدّقت نحو القمر. أوكلت إليه دعواتها العابرة، وإن كان ذلك بهدوءٍ شديد.

أعيُن نيلية (oчи индиго)

كانَتِ الغُرفَةُ مُزَيَّنَةً بِعَدَدٍ لا يُحصى من طائراتٍ خشبيَّةٍ مُقاتِلَة. وفي داخِلِها، جلسَ فتىً ذو شَعرٍ أشقَر تَخَلَّلَهُ الشَّيب، بينما كانت أُمُّهُ تَعتني بالكدماتِ والجُروحِ الَّتي أُصيبَ بها.
كان الفتى مُفتونًا بالسَّماء إلى درجةِ أنَّهُ صنعَ أجنحةً من قماشٍ وعِصيٍّ وقفزَ من سطح منزله. وكانت نتيجةُ ذلك هبوطًا سريعًا تحطَّمَ فيه داخلَ شُجيرة أرونيا.

وبتوترٍ شديد، وبملامحَ تُشبهُ وحشًا مُخيفًا، وبَّختهُ والدتُه قائلةً،
“الـنُّوسفيراتو يَهجُمُونَ على الأطفالِ الأغبياءِ ويَعَضُّونَ أعناقَهم، أكنت تعلم ذلك؟ إن استمررتَ في جنونك هذا، فسيَنهشُونَك!”

“توقَّفي، يا أُمِّي!” قالها الفتى مُرتجفًا، وقد سارعَت يداهُ لتغطيةِ عُنُقه.

النُّوسفيراتو كانُوا سُلالَةً مخيفةً من مَصَّاصي الدماءِ لأساطير زيرنيتران. وقد ازدَحَمَ فولكلور زيرنيتران بقصصٍ كهذه عن وحوشٍ شاربةٍ للدَّماء، كالأوبير، والنِيلاپسي، والستريغوي.
ومع استثناءاتٍ قليلة، لم يكُن لأيٍّ من تلك الكائنات وجودٌ حقيقي. ومع ذلك، كانت أسماؤهم وحدَها كافيةً لتُرعِبَ الأطفالَ وتُدخلَ الخوفَ في قلوبهم.

وأثناءَ ارتشافهِ للـ ژيزني، قال والدهُ مُعقِّبًا،
“إن كنتَ تَرتعِبُ من مصاصي الدماء، فالأجدر بكَ أن تَكُفَّ عن أحلامكَ تلك بالطيران!”

“مـ-ما علاقةُ ذلك بالأمر؟!” اعترض الفتى.

فأجابهُ والده، “حسنًا، أخبِرني… ماذا ستفعلُ إن هاجمكَ نوسفيراتو وأنتَ في خضم رحلةٍ جويَّة؟”

“أنا…” لمجردِ تخيُّل الفكرة، ارتجفَ جسدُ الفتى بكامله.

ضحكَ والده قائلًا، “خائفٌ، أليس كذلك؟”

“لستُ كذلك!” ردَّ الفتى، ووجهُهُ مُحمَرٌّ كالتُّفاح. “أنا آكلُ الثومَ كُلَّ يوم، وأرتدي صليبًا حولَ عنقي! سأكون بخير! وإن حاول مصّاصُ دماءٍ التَّقرُّب منِّي، فسأُسقِطُهُ بنفسي!”

نظر والده تجاه بعضهما، ثم انفجرا ضَحِكًا.

“ما الَّذي يُضحكُكم؟! كُفُّوا عن هذا! عندما أكبرُ وأبدأُ قيادةَ جولاتٍ سياحيةٍ على سطحِ القمر، فلن أُرافِقَكم أبدًا! لن تَذهَبُوا معي أبدًا!”

كرَّرت والدتهُ قائلة، “جولاتٌ على سطحِ القمر؟ كم من العقودِ نحتاجُ قبلَ أن يُصبِحَ ذلك مُمكنًا؟”

وأضاف والده، “على ذِكر القمر، سَمِعتُ أنَّ مصَّاصي الدماءِ يتَّخِذونَ من جانبهِ المُظلِمِ وَكرًا.”

“أنتما تكذبان! سأذهبُ إلى القمر وأُثبِتُ لكما خِلافَ ذلك!” قالها الفتى وهو يُحَدِّقُ في البدرِ المعلَّقِ وراءَ النَّافذة. وكانت عيناهُ النيليَّتانِ تتلألآنِ في الضَّوء.

“ستَرَون…”

عام 1955 حسب التقويم الشَّرقي (E.C.)
بعدَ عشرِ سنواتٍ من الحربِ الَّتي قَسَّمَت العالم إلى شطرَين، عادَت الحياةُ أخيرًا إلى حالٍ من الهدوء. وفي هذا السِّلم، وجَّهت قُوَّتانِ عُظميانِ أنظارهُما نحوَ النجومِ في الأعالي — ذلك المجال الشاسعِ وغيرِ المُستَغَل. وهكذا بدأت مُنافَسَةٌ شَرِسَةٌ بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية الزيرنيترانية (UZSR) في الشرق، والمملكة المتحدة لأرناك (UK) في الغرب.

أكتوبر 1957
أطلَقَت الـUZSR أوَّلَ قمرٍ صناعيٍّ في تاريخِ البشريَّة، “باروسني الأول”. وقد أُصيبت الـUK، الَّتي كانت تعتقدُ أنَّها الأَرقى تكنولوجيًّا، بالذهول. وسُمِّيَ ردُّ فعلِهم “صدمة باروسني”.

ثُمَّ أطلَقَت الـUZSR “باروسني الثَّاني”، وأرسلَت كلبًا إلى الفضاء بنجاح. أما الـUK، فقد سارعت بصُنعِ قمرها الصناعي الخاص، لكنَّهُ انفجرَ بعد ثانيتينِ من الإطلاق.

سبتمبر 1959
هبطَ مسبار الـUZSR على سطح القمر، وتركَ خلفَهُ مكعّبًا معدنيًّا منقوشًا عليه اسمُ البلادِ وشِعارُها. وبعدَ ثلاثةِ أسابيع، وبنَشوَةِ النَّجاح، التقطَت الـUZSR صورًا للجانبِ المُظلِمِ من القمر… الَّذي لم يكن قد رآهُ أحدٌ من قبل.

وأرسلَ القائد الأعلى للـUZSR، وقد ازدادَت ثقَتُهُ بِنَجاحِ أُمَّتِه في الفضاء، رسالةً ظافرةً إلى رئيسِ الـUK:
“مفخرةُ أُمَّتِنا هُبوطُنا القمريّ، بينما لا تزالُ مفخرتُكم الهمبرغر.”

أعلنت صحفُ الـUK عن “معركةِ البقاء”، وتَحرَّك برنامجهم الفضائيّ نحوَ تحقيقِ أوَّلِ رحلةٍ مأهولةٍ إلى الفضاء في تاريخِ البشريَّة. فأُطلِقَ “مشروع هيرميس”، واختير سبعةُ ضبَّاطٍ من سلاحِ الجو، أُطلِقَ عليهم اسم “هيرميس السبعة”، لتنفيذِ رحلةٍ غير مَداريَّة.

سبتمبر 1960
ردًّا على مشروع هيرميس، أطلَقَ الأمينُ الأوَّل غيرغيف مشروع “ميختا”، الذي يهدِفُ إلى إرسالِ إنسانٍ إلى المدارِ الخارجي. وكانت أوامِرُهُ صارمة،
“ابحثوا عن وسيلةٍ لإرسالِ بشريٍّ إلى الفضاء قبل أن تفعلَ المملكة المتحدة لأرناك ذلك!”

لم تَعُدِ المعركةُ على الأرض، بل في البُعدِ البعيدِ في السَّماء … في مَقامِ حاكمُ السماءِ.
ولم يكُن هناكَ مَجالٌ لِنصرَينِ…

2 تعليقات

التعليقات متاحة للمستخدمين المسجلين فقط
سجل دخولك للتعليق والتفاعل مع المحتوى
u/Vulpeslajevard منذ يومين

اوكيه الفكرة تجمع بين الحرب الباردة وسباق الفضاء وخليط من الخيال العلمي والفانتازيا همممم
نتابعهاミ☆

u/LazySano منذ يوم واحد

حياك، سعيد بأن الرواية شدت اهتمامك، سأكمل الفصول المتبقية قريبًا

جارٍ التحميل...