من أكل لحم الوحوش إلى اعتلاء العرش - الفصل 1 - مَن لا يتألّم، لا يتقدّم
في غابة بدائية كثيفة تمنع البشر من التوغل فيها، كانت الوحوش المفترسة تجوبها وكأنها على وشك التهام بعضها بعضًا. وفي قلب هذه الغابة المسكونة، وقفت أمامي امرأة ذات شعرٍ أحمر قانٍ، يعلوها ضوء القمر، كأنّه مشهد من عالم خيالي.
غير أن نظرتها الحازمة والعزيمة في عينيها أكّدتا لي أنّ ما أراه واقع وليس وهماً.
لكن ما لم أستطع تصديقه هو ما قالته بعد ذلك:
“أنت… ستصبح تلميذي، لأنك أكلت لحم الوحوش.”
تلميذ؟ لأني أكلت لحم الوحوش؟ ليس بسبب موهبتي في استخدام السيف؟!
“عندما تأكل لحم الوحوش، يمكنك امتصاص جزء من قوّتهم. لم أكتشف هذا الأمر إلا بعد أن بلغت الخامسة عشرة. أما أنتَ، فأصغر مني، وتتناوله بالفعل… نيئاً أيضًا. هذا ليس بالأمر الهيّن.”
لحظة… هل هذا يعني أن أكل لحم الوحوش يمنح القوة؟ الآن بعد أن فكرتُ بالأمر، بالفعل شعرت بأنني أصبحت أقوى كثيراً خلال السنة الماضية. هل السبب هو لحم الوحوش؟
إذاً… هي أيضاً تأكل هذا اللحم المقرف؟
“ليس وكأنني أستمتع بأكله،”
“لكن لا يوجد شيء آخر لنأكله، هكذا هي حياتي…”
“لا شيء آخر؟ هل أنت يتيم؟ لا تبدو كذلك أبداً…”
كان من الطبيعي أن تندهش، فأنا أرتدي ملابس تليق بأمير، ولا يمكن لشاب يتيم أن يرتدي مثلها.
عندها رويت لها قصتي. قد تكون فضيحة وطنية، لكن جميع من في القصر يعلمون بشأن هذا، لذلك لا أجد حاجة لإخفائها.
“ماذا كنت خائفاً من السموم، ففضلت أكل لحم الوحوش بدلاً منها؟ مع أن لحم الوحوش ساماً أيضاً؟”
صحيح… حين بدأت أكله أول مرة، كنت أتقيأ كثيراً، وتدهورت صحتي لفترة.
لكن كان ذلك أهون من السموم التي كانت تقتل الذوّاق بعد استطعام الأطباق لمرة واحدة. فصبرت حتى اعتاد جسدي عليه.
“إذا اعتاد الجسد عليه، فلا شيء يصبح غير قابل للأكل… سوى السم الفعلي.”
في الجوع، يستطيع الإنسان أن يأكل أي شيء… عدا السموم الفعلية.
قالت وهي مندهشة مع ابتسامة،
“هكذا إذاً… كما هو متوقّع منك، فأنت مذهل. لكن إن كنت لا تزال تخشى السُّم، فمِشوارك لا يزال طويلًا.”
ثم أدخلت يدها في جيبها وأخرجت خاتماً، ورمته نحوي.
كان خاتمًا يتوّجه حجر كريم أرجواني يفيض بإحساسٍ مشؤوم. ولكن، بما أنها قدّمته إليّ بهذه الطريقة… فلا شكّ أنه…، أليس كذلك؟
“هل… هل هذا خاتم سحري يمنح مناعة ضد السم؟”
توجد بالفعل أدوات سحرية قادرة على تحييد السموم تماماً. لكنّها نادرة للغاية، وكل العائلات الملكية في العالم تتهافت عليها، وثمنها يعادل ثمن قلعة على أقل تقدير.
بل إن مملكتنا لا تمتلك واحداً منها حتى.
إن كان هذا هو فعلًا… فإنني محظوظ بشكل لا يُصدق!
“لا، هذا خاتم يُصيبك بتسمم دائم.”
“هاه؟!”
“تعتمد على أدوات الحماية من السم؟ هذا ضعف. فيجب أن تتغلب عليه بقوتك أنت.”
لكن مهلاً… إن استطعت التغلب عليه بقوتي، أليس هذا يعني أنّ الخاتم نفسه سام؟!
لم تكن تسمع أفكاري المرتعبة، وتابعت حديثها بثقة،
“لذلك استخدم هذا الخاتم. حين ترتديه، سيُبقيك في حالة تسمم مستمر. إذا صمدت، وتغلّبت على السم، فستكتسب مناعة ضده.”
ما الذي تقوله هذه المرأة؟! كلامها منطقي ظاهرياً، لكن من المستحيل أن تنال مناعة من التسمم بهذه الطريقة… وإلا لما خاف أحد من السم.
سألتها بتحفظ،
“همم… إلى أي درجة يبلغ سُمّ هذا الخاتم؟”
“هاه؟ إنه سُمّ فعلي. الشخص العادي سيموت بمجرد ارتدائه. وبالمناسبة، لا يمكنك نزع الخاتم بعد ارتدائه، إلا إن متَّ أو تغلبت على السم.”
هذا… هذا خاتم ملعون!!
من يرتدي شيئاً كهذا سوى شخص يخطط للانتحار؟!
“لا، لا، لا! سأموت! ارتداء هذا الخاتم يعني… أنني لم أعد إنسانًا عاديًا، أليس كذلك؟!”
“لا بأس، سيكون الأمر على ما يرام. جسدك معتادٌ على سموم الوحوش، لذا ستتمكن من تحمُّل ذلك. عندما استخدمته أنا لأول مرة، كنت في حالة صحية سيئة لمدة أسبوع تقريبًا، لكن بعدها اعتدتُ عليه. والآن، لم يعد هذا كافيًا بالنسبة لي، لذا أرتدي خاتمًا أقوى منه بكثير.“
ورفعت يدها اليمنى لتُريني خاتماً يحمل حجراً أحمر اللون، ينضح بهالة مرعبة.
“هذا خاتم نادر يدمج بين السم، والشلل، والتصلب، واللعنات، والتشويش، وغيرها. لا يوجد كثير منه في هذا العالم. وكان من الصعب الحصول عليه.”
…يا إلهي، هذه المرأة مجنونة بلا شك. لا ينبغي لي أن أقترب منها. سأرمي هذا الخاتم في بركة ماء غداً صباحاً.
ورغم أنها تبدو مختلّة، فلا شك أنها قوية بحق. لذا، قررت أن أطلب اسمها… فقد أحتاجها يوماً ما.
“آوه… هذا مذهل. حسنًا، أعتقد أن عليّ العودة إلى القصر الآن. هل لي أن أعرف اسمك؟ أنا الأمير مارس، من مملكة فالون.”
“مارس، هاه؟ اسم جميل. اسمي كاساندرا.”
كاساندرا؟ اسم مألوف… صحيح، إنه اسم شائع، لكن…
امرأة ذات شعر أحمر، وسيّافة بارعة…
“أيُعقل… أنكِ قدّيسة السيف، الشيطانة الحمراء كاساندرا؟!”
“ذلك ما يُقال عني… مع أنني لا أستسيغ لقب ‘الشيطانة الحمراء’.”
كاساندرا، الشيطانة الحمراء، وحشٌ يُسكت بكاء الأطفال بمجرد ظهوره.
قيل إنها تقتل البشر متى لقيتهم، والتنانين متى واجهتهم، والشياطين متى صادفتهم، وحتى الكائنات السماوية إن وقفوا في طريقها.
بطلة أسطورية، عندما حاولت إحدى الدول استقطابها لخدمتهم، قالت لهم،
“سأفكّر في الانضمام فقط إن صادفت من يفوقني قوة.”
ثم خاضت معركة، ودمّرت تلك الدولة بالكامل…
محاربة مجنونة اشتهرت بهوسها بالقتال الذي لا يمكن كبحه.
قالت،
“في غضون سبعة أيام… بحلول ذلك الوقت، يجب أن تكون قد تغلبت على تأثير الخاتم. هذا سيكون أول اختبار لك كتلميذي. سنلتقي هنا مجددًا بعد سبعة أيام، يا تلميذي.”
ثم أدارت ظهرها، وغادرت المكان.
أما أنا تمتمتُ بصوت خافت،
“لكنني لم أوافق بعد على أن أكون تلميذكِ…”
لم أرغب في قول ذلك بصوت عالٍ… لم أكن أعلم ما قد يحدث.
شعرت فجأة بأن كفّي أصبح ثقيلاً.
التعليقات